فصل: باب ما جاء في قيام الليل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب قضاء ما يفوت من الوتر والسنن الراتبة والأوراد

1 - عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث أخرجه الترمذي وزاد‏:‏ ‏(‏أو إذا استيقظ‏)‏ وأخرجه أيضًا ابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وإسناد الطريق التي أخرجه منها أبو داود صحيح كما قال العراقي وإسناد طريق الترمذي وابن ماجه ضعيف أوردها ابن عدي وقال إنها غير محفوظة وكذا أوردها ابن حبان في الضعفاء‏.‏

وأخرجه الترمذي من طريق زيد بن أسلم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من نام عن وتره فليصل إذا أصبح‏)‏ قال‏:‏ وهذا أصح من الحديث الأول يعني حديث أبي سعيد‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عبد اللَّه ابن عمر عند الدارقطني قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من فاته الوتر من الليل فليقضه من الغد‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده ضعيف وله حديث آخر عند البيهقي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أصبح فأوتر‏)‏‏.‏

وعن أبي هريرة عند الحاكم والبيهقي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر‏)‏ وصححه الحاكم على شرط الشيخين‏.‏

وعن أبي الدرداء عند الحاكم والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏ربما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح‏)‏ وصححه الحاكم‏.‏

وعن الأغر المزني عند الطبراني في الكبير بلفظ‏:‏ ‏(‏أن رجلًا قال‏:‏ يا نبي اللَّه إني أصبحت ولم أوتر فقال‏:‏ إنما الوتر بالليل فقال‏:‏ يا نبي اللَّه إني أصبحت ولم أوتر قال‏:‏ فأوتر‏)‏ وفي إسناده خالد بن أبي كريمة ضعفه ابن معين وأبو حاتم ووثقه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

وعن عائشة عند أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصبح فيوتر‏)‏ وإسناده حسن‏.‏

الحديث يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبيد وعبد اللَّه بن عباس كذا قال العراقي‏.‏

قال‏:‏ ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد ابن المنتشر وأبو العالية وحماد ابن أبي سليمان‏.‏ ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضى على ثمانية أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ ما لم يصل الصبح وهو قول ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة حكاه محمد بن نصر عنهم‏.‏

ثانيها‏:‏ أنه يقضى الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعي‏.‏

ثالثها‏:‏ أنه يقضى بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال روي ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاوس ومجاهد وحماد ابن أبي سليمان وروي أيضًا عن ابن عمر‏.‏

رابعها‏:‏ أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهارًا حتى يصلي العصر فلا يقضيه بعده ويقضيه بعد المغرب إلى العشاء ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين وترين في ليلة حكي ذلك عن الأوزاعي‏.‏

خامسها‏:‏ أنه إذا صلى الصبح لا يقضيه نهارًا لأنه من صلاة الليل ويقضيه ليلًا قبل وتر الليلة المستقبلة ثم يوتر للمستقبلة روي ذلك عن سعيد بن جبير‏.‏

سادسها‏:‏ أنه إذا صلى الغداة أوتر حيث ذكره نهارًا فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن أوتر لم يوتر لأنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعًا حكي ذلك عن الأوزاعي أيضًا‏.‏

سابعها‏:‏ أنه يقضيه أبدًا ليلًا ونهارًا وهو الذي عليه فتوى الشافعية‏.‏

ثامنها‏:‏ التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمدًا فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكره في أي وقت كان ليلًا أو نهارًا وهو ظاهر الحديث واختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‏)‏ قال‏:‏ وهذا عموم يدخل فيه كل فرض أو نافلة وهو في الفرض أمر فرض وفي النفل أمر ندب قال‏:‏ ومن تعمد تركه حتى دخل الفجر فلا يقدر على قضائه أبدًا قال‏:‏ فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبدًا متى ذكره ولو بعد أعوام‏.‏ وقد استدل بالأمر بقضاء الوتر على وجوبه وحمله الجمهور على الندب وقد تقدم الكلام في ذلك

2- وعن عمر بن الخطاب قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏ وثبت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة وقد ذكرنا عنه قضاء السنن في غير حديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حزبه‏)‏ الحزب بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها باء موحدة الورد والمراد هنا الورد من القرآن وقيل المراد ما كان معتاده من صلاة الليل‏.‏

والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل‏.‏ وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو عذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل‏.‏

قوله‏:‏ ـ وثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم ـ الخ هو ثابت من حديث عائشة عند مسلم والترمذي وصححه والنسائي‏.‏ وفيه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل ولم يستحب أصحاب الشافعي قضاءه إنما استحبوا قضاء السنن الرواتب ولم يعدوا التهجد من الرواتب‏.‏

قوله‏:‏ ـ وقد ذكرنا عند قضاء السنن في غير حديث ـ قد تقدم بعض من ذلك في باب القضاء وبعض في أبواب التطوع‏.‏

 باب صلاة التروايح

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول‏:‏ ‏(‏من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن عبد الرحمن بن عوف‏:‏ أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللَّه عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏

حديث عبد الرحمن بن عوف في إسناده النضر بن شيبان وهو ضعيف‏.‏ وقال النسائي‏:‏ هذا الحديث خطأ والصواب حديث أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ـ من غير أن يأمر فيه بعزيمة ـ فيه التصريح بعدم وجوب القيام وقد فسره بقوله ‏(‏من قام‏)‏ الخ فإنه يقتضي الندب دون الإيجاب وأصرح منه قوله في الحديث الآخر وسننت قيامه بعد قوله فرض صيام رمضان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قام رمضان‏)‏ المراد قيام لياليه مصليًا ويحصل بمطلق ما يصدق عليه القيام وليس من شرطه استغراق جميع أوقات الليل قيل ويكون أكثر الليل‏.‏ وقال النووي‏:‏ إن قيام رمضان يحصل بصلاة التراويح يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها وأغرب الكرماني فقال‏:‏ اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إيمانًا واحتسابًا‏)‏ قال النووي‏:‏ معنى إيمانًا تصديقًا بأنه حق معتقدًا فضيلته ومعنى احتسابًا أن يريد اللَّه تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ زاد أحمد والنسائي وما تأخر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد ورد في غفران ما تقدم وما تأخر عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد اهـ ‏[‏وقد وفقنا لطبعه والحمد للّه في ضمن مجموعة الرسائل المنيرية اهـ‏]‏‏.‏‏.‏ ‏(‏قيل‏)‏ ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر وبذلك جزم ابن المنذر وقيل الصغائر فقط وبه جزم إمام الحرمين‏.‏ قال النووي‏:‏ وهو المعروف عند الفقهاء وعزاه عياض إلى أهل السنة وقد أورد أن غفران الذنوب المتقدمة معقول وأما المتأخرة فلا لأن المغفرة تستدعي سبق ذنب وأجيب عنه بأن ذلك كناية عن عدم الوقوع‏.‏ وقال الماوردي‏:‏ إنها تقع منهم الذنوب مغفورة‏.‏

والحديث يدل على فضيلة قيام رمضان وتأكد استحبابه واستدل به أيضًا على استحباب صلاة التراويح لأن القيام المذكور في الحديث المراد به صلاة التراويح كما تقدم عن النووي والكرماني‏.‏

قال النووي‏:‏ اتفق العلماء على استحبابها قال‏:‏ واختلفوا في أن الأفضل صلاتها في بيته منفردًا أم في جماعة في المسجد فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم‏:‏ الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي اللَّه عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد وبالغ الطحاوي فقال‏:‏ إن صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم‏:‏ الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة‏)‏ متفق عليه‏.‏

وقالت العترة‏:‏ إن التجميع فيها بدعة وسيأتي تمام الكلام على صلاة التراويح‏.‏

3 - وعن جبير بن نفير عن أبي ذر قال‏:‏ ‏[‏صمنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في الثالثة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا يا رسول اللَّه لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال‏:‏ ‏(‏إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة‏)‏ ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا في الثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح قلت له‏:‏ وما الفلاح قال‏:‏ السحور‏]‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

الحديث رجال إسناده عند أهل السنن كلهم رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يصل بنا‏)‏ لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏صمنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئًا من الشهر حتى بقي سبع‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو نفلتنا‏)‏ النفل محركة في الأصل الغنيمة والهبة ونفله النفل وأنفله أعطاه إياه والمراد هنا لو قمت بنا طول ليلتنا ونفلتنا من الأجر الذي يحصل من ثواب الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بنا في الثالثة‏)‏ أي في ليلة ثلاث بقيت من الشهر وكذا قوله في السادسة في الخامسة‏.‏ وفيه أنه كان يتخولهم بقيام الليل لئلا يثقل عليهم كما كان ديدنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الموعظة فكان يقوم بهم ليلة ويدع القيام أخرى وفيه تأكد مشروعية القيام في الأفراد من ليالي العشر الآخرة من رمضان لأنها مظنة الظفر بليلة القدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودعا أهله ونساءه‏)‏ وفيه استحباب ندب الأهل إلى فعل الطاعات وإن كانت غير واجبة‏.‏

وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏رحم اللَّه رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضخ في وجهها الماء ورحم اللَّه امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضخت في وجهه الماء‏)‏‏.‏

وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضًا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة قالا‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعًا كتب في الذاكرين والذاكرات‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الفلاح‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير‏.‏ والسحور قال‏:‏ والسحور ما يتسحر به أي ما يؤكل في وقت السحر وهو قبيل الصبح‏.‏

والحديث استدل به على استحباب صلاة التراويح لأن الظاهر منه أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمهم في تلك الليالي‏.‏

4 - وعن عائشة‏:‏ ‏[‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى الثانية فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما أصبح قال‏:‏ رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفترض عليكم وذلك في رمضان‏)‏‏]‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ كان الناس يصلون في المسجد في رمضان بالليل أوزاعًا يكون مع الرجل الشيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو السبعة أو أقل من ذلك أو أكثر يصلون بصلاته قالت‏:‏ فأمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أنصب له حصيرًا على باب حجرتي ففعلت فخرج إليه بعد أن صلى عشاء الآخرة فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم‏)‏ وذكرت القصة بمعنى ما تقدم غير أن فيها أنه‏:‏ ‏(‏لم يخرج إليهم في الليلة الثانية‏)‏ رواه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى في المسجد‏)‏ الخ قال النووي‏:‏ فيه جواز النافلة جماعة ولكن الاختيار فيها الانفراد إلا نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء‏.‏ وكذا التراويح عند الجمهور كما سبق‏.‏ وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل ولعل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز أو أنه كان معتكفًا‏.‏ وفيه جواز الإقتداء بمن لم ينو إمامته قال‏:‏ وهذا صحيح على المشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء ولكن إن نوى الإمام إمامتهم بعد إقتدائهم حصلت فضيلة الجماعة له ولهم وإن لم ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة ولا تحصل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها والأعمال بالنيات وأما المأمومون فقد نووها‏.‏ وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمها لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لما ذكرناه فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي يخاف من عجزهم وتركهم للفرض وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئًا خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره لهم تطييبًا لقلوبهم وإصلاحًا لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوزاعًا‏)‏ أي جماعات‏.‏

والحديث استدل به المصنف على صلاة التراويح‏.‏ وقد استدل به على ذلك غيره كالبخاري فإنه ذكره من جملة الأحاديث التي ذكرها في كتاب التراويح من صحيحه‏.‏ ووجه الدلالة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فعل الصلاة في المسجد وصلى خلفه الناس ولم ينكر عليهم وكان ذلك في رمضان ولم يترك إلا لخشية الافتراض فصح الاستدلال به على مشروعية مطلق التجمع في النوافل في ليالي رمضان وأما فعلها على الصفة التي يفعلونها الآن من ملازمة عدد مخصوص وقراءة مخصوصة في كل ليلة فسيأتي الكلام عليه‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما استدل به البخاري عليها حديث عائشة وهو أيضًا في صحيح مسلم‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصلى بصلاته فلما كانت الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الصلاة أقبل على الناس فتشهد ثم قال‏:‏ أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكن خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم والأمر على ذلك‏)‏‏.‏

5 - وعن عبد الرحمن بن عبد القاري قال‏:‏ ‏(‏خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر‏:‏ إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبيِّ بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر‏:‏ نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏ ولمالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال‏:‏ ‏(‏كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوزاع‏)‏ قد تقدم تفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر نعمت البدعة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ البدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع على مقابلة السنة فتكون مذمومة والتحقيق أنها إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة انتهى ‏[‏البدعة التي تنقسم إلى خمسة أقسام هي ما كانت خارجة عن نوع العبادات وأما إذا كانت مما يدخل في العبادة فلا‏.‏ وقد ذكرنا كلام العلامة الشاطبي في ذلك ورده كل بدعة لها دخل في العبادات‏.‏ وقول عمر ونعمت البدعة أي الأمر البديع الذي ثبت عن الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم وترك في زمن أبي بكر لاشتغال الناس فيما حصل بعد وفاة الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ ولشارح بلوغ المرام كلام نفيس على هذا الحديث وقد ذكرته في تعليقي على أحكام الأحكام فارجع إليه واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بثلاث وعشرين ركعة‏)‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وهذا أثبت ما سمعت في ذلك‏.‏ ووهم في ضوء النهار فقال‏:‏ إن في سنده أبا شيبة وليس الأمر كذلك لأن مالكًا في الموطأ ذكره كما ذكر المصنف‏.‏ والحديث الذي في إسناده أبو شيبة هو حديث ابن عباس الآتي كما في البدر المنير‏.‏

والتلخيص وفي الموطأ أيضًا عن محمد بن يوسف عن السائب ابن يزيد أنها إحدى عشرة‏.‏ وروى محمد بن نصر عن محمد بن يوسف أنها إحدى وعشرون ركعة‏.‏ وفي الموطأ من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أنها عشرون ركعة‏.‏ وروى محمد بن نصر من طريق عطاء قال‏:‏ أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث تطول القراءة تقلل الركعات وبالعكس وبه جزم الداودي وغيره قال‏:‏ والاختلاف فيما زاد على العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر فكأنه تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث‏.‏

وقد روى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال‏:‏ أدركت الناس في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يعني بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث‏.‏ وقال مالك‏:‏ الأمر عندنا بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق‏.‏

قال الترمذي‏:‏ أكثر ما قيل إنه يصلي إحدى وأربعين ركعة بركعة الوتر‏.‏

ونقل ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد أربعين يوتر بسبع وقيل ثمان وثلاثين ذكره محمد بن نصر عن ابن يونس عن مالك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا يمكن رده إلى الأول بانضمام ثلاث الوتر لكن صرح في روايته بأنه يوتر بواحدة فيكون أربعين إلا واحدة‏.‏ قال مالك‏:‏ وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة‏.‏ وروي عن مالك ست وأربعون وثلاث الوتر‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وهذا المشهور عنه وقد رواه ابن وهب عن العمري عن نافع قال‏:‏ لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعًا وثلاثين ويوترون منها بثلاث‏.‏

وعن زرارة بن أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعًا وثلاثين ويوتر‏.‏

وعن سعيد بن جبير أربعًا وعشرين وقيل ست عشرة غير الوتر هذا حاصل ما ذكره في الفتح من الاختلاف في ذلك‏.‏

وأما العدد الثابت عنه صلى اللَّه عليه وسلم في صلاته في رمضان فأخرج البخاري وغيره عن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة‏)‏‏.‏

وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث جابر أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلى بهم ثمان ركعات ثم أوتر‏)‏‏.‏

وأخرج البيهقي عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر‏)‏ زاد سليم الرازي في كتاب الترغيب له‏:‏ ‏(‏ويوتر بثلاث‏)‏ قال البيهقي‏:‏ تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف‏.‏ وأما مقدار القراءة في كل ركعة فلم يرد به دليل‏.‏

ـ والحاصل ـ أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشابهها هو مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصر الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة ‏[‏أقول‏:‏ ذكر العلامة النووي في شرح المهذب فرعًا في مذهب علماء السلف فيما يقرأ في صلاة التراويح‏.‏ قال‏:‏ روى مالك في الموطأ عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن الأعرج قال‏:‏ ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفر في رمضان قال‏:‏ وكان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات وإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه خفف‏.‏

وقال النووي‏:‏ وروى مالك أيضًا عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال‏:‏ أمر عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أبيِّ بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس وكان القارئ يقرأ بالمائتين حتى كنا نعتمد على عصا في طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر‏.‏ وذكر آثارًا غير ما ذكرته‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

 باب ما جاء في الصلاة بين العشاءين

1 - عن قتادة عن أنس‏:‏ ‏(‏في قوله تعالى ‏{‏كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون‏}‏ قال‏:‏ كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء وكذلك ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2 - وعن حذيفة قال‏:‏ ‏(‏صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم المغرب فلما قضى الصلاة قام يصلي فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

أما قول أنس فرواه أيضًا ابن مردويه في تفسيره من رواية الحارث بن وجيه قال‏:‏ سمعت مالك بن دينار قال‏:‏ سألت أنس بن مالك عن قوله تعالى ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ فقال‏:‏ كان ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة فأنزل اللَّه فيهم ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ والحارث بن وجيه ضعيف ورواه أيضًا من رواية أبان بن أبي عياش عن أنس نحوه وأبان ضعيف أيضًا ورواه أيضًا من رواية الحسن بن أبي جعفر عن مالك بن دينار عنه‏.‏

ورواه أيضًا من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في هذه الآية قال‏:‏ يصلون ما بين المغرب والعشاء‏.‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده جيد ورواه أيضًا من رواية خالد بن عمران الخزاعي عن ثابت عن أنس‏.‏

وأخرج نحوه أيضًا من رواية يزيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ قال بلال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانوا يصلون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت‏.‏ وأخرج محمد بن نصر عن أنس في قوله تعالى ‏{‏إن ناشئة الليل‏}‏ قال‏:‏ ما بين المغرب والعشاء‏.‏ قال‏:‏ وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي ما بين المغرب والعشاء‏.‏ وفي إسناده منصور بن شقير كتب عنه أحمد بن حنبل وقال فيه أبو حاتم‏:‏ ليس بقوي وفي حديثه اضطراب‏.‏ وقال العقيلي‏:‏ في حديثه بعض ‏الوهم وفي إسناده أيضًا عمارة بن زاذان وثقه الجمهور وضعفه الدارقطني‏.‏ وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن حميد بن عبد الرحمن عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس أنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء ويقول هي ناشئة الليل هكذا جعله موقوفًا وهكذا رواه القاضي أبو الوليد يونس بن عبد اللَّه بن مغيث في كتاب الصلاة من رواية حماد بن سلمة عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس أنه كان يحيي ما بين المغرب والعشاء ويقول هي ناشئة الليل‏.‏ وممن قال بذلك من التابعين أبو حازم ومحمد بن المنكدر وسعيد ابن جبير وزين العابدين ذكره العراقي في شرح الترمذي وروى محمد بن نصر عن أنس قال العراقي‏:‏ بإسناد صحيح إن قوله تعالى ‏{‏كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون‏}‏ نزلت فيمن كان يصلي بين العشاء والمغرب وأخرج محمد بن نصر عن سفيان الثوري أنه سئل عن قوله تعالى ‏{‏من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات اللَّه آناء الليل وهم يسجدون‏}‏ فقال‏:‏ بلغني أنهم كانوا يصلون ما بين العشاء والمغرب‏.‏ وقد روي عن محمد بن المنكدر‏:‏ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنها صلاة الأوابين‏)‏‏.‏

وهذا وإن كان مرسلًا لا يعارضه ما في الصحيح من قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال‏)‏ فإنه لا مانع أن يكون كل من الصلاتين صلاة الأوابين‏.‏ وأما حديث حذيفة المذكور في الباب فأخرجه الترمذي في باب مناقب الحسن والحسين من آخر كتابه مطولًا وقال‏:‏ حسن غريب‏.‏ وأخرجه أيضًا النسائي مختصرًا وأخرج أيضًا ابن أبي شيبة عنه نحوه‏.‏

وفي الباب عن ابن عباس عند أبي الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب وفضائل الأعمال قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أحيا ما بين الظهر والعصر وما بين المغرب والعشاء غفر له وشفع له ملكان‏)‏ وفي إسناده حفص بن عمر القزاز قال العراقي‏:‏ مجهول‏.‏

ولابن عباس حديث آخر رواه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ‏:‏ قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم رفعت له في عليين وكان كمن أدرك ليلة القدر في المسجد الأقصى وهي خير من قيام نصف ليلة‏)‏ قال العراقي‏:‏ وفي إسناده جهالة ونكارة وهو أيضًا من رواية عبد اللَّه بن أبي سعيد فإن كان الذي يروي عن الحسن ويروي عنه يزيد بن هارون فقد جهله أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وإن كان ابن أبي سعيد المقبري فهو ضعيف‏.‏

وعن ابن عمر عند محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بلفظ‏:‏ سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم غفر له بها خمسين سنة‏)‏ وفي إسناده محمد بن غزوان الدمشقي قال أبو زرعة‏:‏ منكر الحديث وقال ابن حبان‏:‏ لا يحل الاحتجاج به وله حديث آخر عند الديلمي في مسند الفردوس قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى أربع ركعات بعد المغرب كان كالمعقب غزوة بعد غزوة في سبيل اللَّه‏)‏ وفي إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف جدًا‏.‏

قال العراقي‏:‏ والمعروف أنه من قول ابن عمر غير مرفوع هكذا رواه ابن أبي شيبة في المصنف‏.‏ وعن ابن مسعود عند محمد بن نصر قال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي بين المغرب والعشاء أربع ركعات‏)‏ وهو منقطع لأنه من رواية معن بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود عن جده ولم يدركه‏.‏ وعن عبيد مولى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند أحمد والطبراني‏:‏ ‏(‏أنه سئل أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة أو سوى المكتوبة قال‏:‏ نعم بين المغرب والعشاء‏)‏‏.‏

وعن عمار بن ياسر عند الطبراني في معاجيمه الثلاثة وابن منده في معرفة الصحابة‏:‏ ‏(‏أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات وقال‏:‏ من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر‏)‏ قال الطبراني‏:‏ تفرد به صالح بن قطن‏.‏ وقال ابن الجوزي‏:‏ إن في هذه الطريق مجاهيل‏.‏

وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة‏)‏ وفي إسناده عمر بن عبد اللَّه بن أبي خثعم وهو ضعيف جدًا‏.‏

وعن عائشة عند الترمذي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى اللَّه له بيتًا في الجنة‏)‏‏.‏

والآيات والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء والأحاديث وإن كان أكثرها ضعيفًا فهي منتهضة بمجموعها لا سيما في فضائل الأعمال قال العراقي‏:‏ وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة عبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عمرو وسلمان الفارسي وابن عمر وأنس بن مالك في ناس من الأنصار‏.‏ ومن التابعين الأسود بن يزيد وأبو عثمان النهدي وابن أبي مليكة وسعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر وأبو حاتم وعبد اللَّه بن سخبرة وعلي بن الحسين وأبو عبد الرحمن الحبلي وشريح القاضي وعبد اللَّه بن مغفل وغيرهم‏.‏ ومن الأئمة سفيان الثوري‏.‏

 باب ما جاء في قيام الليل

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة قال‏:‏ الصلاة في جوف الليل قال‏:‏ فأي الصيام أفضل بعد رمضان قال‏:‏ شهر اللَّه المحرم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏ ولابن ماجه منه فضل الصوم فقط‏.‏

وفي الباب عن بلال عند الترمذي في كتاب الدعوات من سننه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم‏)‏‏.‏

وعن أبي أمامة عند ابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي مثل حديث بلال وفي إسناده عبد اللَّه بن صالح كاتب الليث وهو مختلف فيه‏.‏ ولأبي أمامة حديث آخر عند محمد بن نصر والطبراني عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏والصلاة بالليل والناس نيام‏)‏ وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو مختلف فيه‏.‏

وعن جابر عند ابن ماجه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار‏)‏ قال العراقي‏:‏ وهذا الحديث شبه الموضوع اشتبه على ثابت بن موسى وإنما قاله شريك القاضي لثابت عقب إسناد ذكره فظنه ثابت حديثًا‏.‏

ولجابر حديث آخر رواه الطبراني في الأوسط عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا بد عن صلاة الليل ولو حلب شاة‏)‏ قال الطبراني‏:‏ تفرد به بقية‏.‏

ولجابر أيضًا حديث آخر عند ابن حبان في صحيحه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فذكر حديثًا وفيه‏:‏ ‏(‏وإن هو توضأ ثم قام إلى الصلاة أصبح نشيطًا قد أصاب خيرًا وقد انحلت عقده كلها‏)‏‏.‏

وعن سلمان الفارسي عند ابن عدي في الكامل والطبراني بلفظ حديث بلال المتقدم‏.‏

وعن ابن عباس عند محمد بن نصر والطبراني في الكبير قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بقيام الليل ولو ركعة واحدة‏)‏ وفي إسناده حسين بن عبد اللَّه وهو ضعيف‏.‏ وله حديث آخر عند الترمذي في التفسير مثل حديث أبي أمامة الثاني‏.‏

وعن عبد اللَّه بن سلام عند الترمذي في الزهد وصححه وابن ماجه بنحو حديث أبي أمامة الثاني أيضًا‏.‏

وعن ابن عمر عند محمد بن نصر بنحو حديث أبي أمامة الثاني أيضًا‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمر عند محمد بن نصر بنحوه أيضًا‏.‏

وعن علي عند الترمذي في البر بنحوه أيضًا‏.‏

وعن أبي مالك الأشعري عند محمد بن نصر والطبراني بنحوه أيضًا بإسناد جيد‏.‏

وعن معاذ عند الترمذي في التفسير بنحو حديث ابن عباس‏.‏

وعن ثوبان عند البزار بنحو حديث أبي أمامة‏.‏

وعن ابن مسعود عند ابن حبان في صحيحه‏:‏ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏عجب ربنا من رجلين رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته فيقول اللَّه تعالى‏:‏ انظروا إلى عبدي ثار من وطائه وفراشه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي‏)‏ الحديث‏.‏ ورواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير قال العراقي‏:‏ وإسناده جيد‏.‏

وعن سهل بن سعد عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفيه‏:‏ ‏(‏واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل‏)‏‏.‏

وعن أبي سعيد عند ابن ماجه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللَّه ليضحك إلى ثلاثة للصف في الصلاة وللرجل يصلي في جوف الليل وللرجل يقاتل الكتيبة‏)‏‏.‏

وعن إياس بن معاوية المزني عند الطبراني في الكبير مثل حديث جابر الثاني‏.‏

وهذه الأحاديث تدل على تأكد استحباب قيام الليل ومشروعية الاستكثار من الصلوات فيه وبها استدل من قال إن الوتر أفضل من صلاة الصبح وقد قدمنا الخلاف في ذلك‏.‏

وحديث الباب أيضًا يدل على تفضيل الصيام في المحرم وأن صيامه أفضل من صيام بقية الأشهر وهو مخصص لعموم ما عند البخاري والترمذي وصححه والنسائي وأبي داود من حديث ابن عباس قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر فقالوا‏:‏ يا رسول اللَّه ولا الجهاد في سبيل اللَّه فقال‏:‏ ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء‏)‏ وهذا إذا كان كون الشيء أحب إلى اللَّه يستلزم أنه أفضل من غيره وإن كان لا يستلزم ذلك فلا حاجة إلى التخصيص لعدم التنافي‏.‏

2 - وعن عمرو بن عبسة‏:‏ أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏(‏أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر اللَّه في تلك الساعة فكن‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

الحديث رجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه أيضًا أبو داود والحاكم‏.‏ وفي الباب عن أبي هريرة عند الجماعة كلهم قال‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفر لي فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر‏)‏‏.‏

وعن علي عند أحمد والدارقطني قال‏:‏ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فذكر حديثًا وفيه‏:‏ ‏(‏فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط اللَّه إلى السماء الدنيا فلم يزل هنالك حتى يطلع الفجر فيقول القائل ألا سائل يعطي سؤاله ألا داع يجاب‏)‏‏.‏

وعن أبي سعيد عند مسلم والنسائي في اليوم والليلة بنحو حديث أبي هريرة‏.‏ وعن جبير بن مطعم عند النسائي في اليوم والليلة بنحو حديث أبي هريرة أيضًا‏.‏ وعن ابن مسعود عند أحمد بنحوه‏.‏

وعن أبي الدرداء عند الطبراني قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فذكر حديثًا وفيه‏:‏ ‏(‏ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر‏)‏ قال الطبراني‏:‏ وهو حديث منكر‏.‏

وعن عثمان بن العاص عند أحمد والبزار قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ينادي مناد كل ليلة هل من داع فيستجاب له هل من سائل فيعطى هل من مستغفر فيغفر له حتى يطلع الفجر‏)‏‏.‏

وعن جابر عند الدارقطني وأبي الشيخ بنحو حديث أبي هريرة وفي إسناده محمد بن إسماعيل الجعفري وهو منكر الحديث قاله أبو حاتم‏.‏

وعن عبادة بن الصامت عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحو حديث أبي هريرة أيضًا‏.‏

وعن عقبة بن عامر عند الدارقطني قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا مضى ثلث الليل أو قال نصف الليل ينزل اللَّه عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري‏)‏‏.‏

وعن عمرو بن عبسة حديث آخر غير المذكور في الباب عند الدارقطني قال‏:‏ ‏(‏أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقلت‏:‏ يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك علمني شيئًا تعلمه وأجهله ينفعني ولا يضرك ما ساعة أقرب من ساعة فقال‏:‏ يا عمرو لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك إن الرب عز وجل يتدلى من جوف الليل‏)‏ زاد في رواية‏:‏ ‏(‏فيغفر إلا ما كان من الشرك‏)‏ وله حديث آخر عند أحمد عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى وجوف الليل الآخر أجوبه دعوة قلت‏:‏ أوجبه قال‏:‏ لا، أجوبه‏)‏ يعني بذلك الإجابة وفي إسناده أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي مريم وهو ضعيف‏.‏ وعن أبي الخطاب عند أحمد بنحو حديث أبي هريرة‏.‏

وهذه الأحاديث تدل على استحباب الصلاة والدعاء في ثلث الليل الآخر وأنه وقت الإجابة والمغفرة‏.‏ والنزول المذكور في الأحاديث قد طول علماء الإسلام الكلام في تأويله وأنكر الأحاديث الواردة به كثير من المعتزلة والطريقة المستقيمة ما كان عليه التابعون كالزهري ومكحول والسفيانين والليث وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والأوزاعي وابن المبارك والأئمة الأربعة مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم فإنهم أجروها كما جاءت بلا كيفية ولا تعرض لتأويل ‏[‏وللإمام ابن تيمية كتاب مؤلف شرح فيه حديث النزول وقد طبع‏.‏ وللعلامة ابن القيم مؤلف أيضًا سماه اجتماع الجيوش الإسلامية على المعطلة والجهمية وقد طبع أيضًا‏]‏‏.‏

3 - وعن عبد اللَّه بن عمرو‏:‏ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أحب الصيام إلى اللَّه صيام داود وأحب الصلاة إلى اللَّه عز وجل صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي فإنه إنما روى فضل الصوم فقط‏.‏

الحديث يدل على أن صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى اللَّه من غيره وإن كان أكثر منه وما كان أحب إلى اللَّه جل جلاله فهو أفضل والاشتغال به أولى‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏إن عبد اللَّه بن عمرو قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إني أطيق أفضل من ذلك فقال صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ لا أفضل من ذلك‏)‏ وسيأتي ذكر الحكمة في ذلك في كتاب الصيام عند ذكر المصنف لهذا الحديث إن شاء اللَّه‏.‏ ويدل على أفضلية قيام ثلث الليل بعد نوم نصفه وتعقيب قيام ذلك الثلث بنوم السدس الآخر ليكون ذلك كالفاصل ما بين صلاة التطوع والفريضة ويحصل بسببه النشاط لتأدية صلاة الصبح لأنه لو وصل القيام بصلاة الفجر لم يأمن أن يكون وقت القيام إليها ذاهب النشاط والخشوع لما به من التعب والفتور ويجمع بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة المتقدم بنحو ما سلف‏.‏

4 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أنها سئلت كيف كانت قراءة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالليل فقالت‏:‏ كل ذلك قد كان يفعل ربما أسر وربما جهر‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

الحديث رجاله رجال الصحيح‏.‏ وفي الباب عن أبي قتادة عند الترمذي وأبي داود‏:‏ أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لأبي بكر‏:‏ ‏(‏مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك فقال‏:‏ إني سمعت من ناجيت قال‏:‏ ارفع قليلًا وقال لعمر‏:‏ مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك فقال‏:‏ إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال‏:‏ اخفض قليلًا‏)‏‏.‏

وعن ابن عباس عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏كانت قراءة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت‏)‏ وعن علي نحو حديث أبي قتادة‏.‏ وعن عمار عند الطبراني بنحو حديث أبي قتادة أيضًا‏.‏ وعن أبي هريرة عند أبي داود بنحوه أيضًا وله حديث آخر عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏كانت قراءة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالليل يرفع طورًا ويخفض طورًا‏)‏ وله حديث ثالث عند أحمد والبزار ‏(‏أن عبد اللَّه بن حذافة قام يصلي فجهر بصلاته فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا ابن حذافة لا تسمعني وأسمع ربك‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وعن أبي سعيد عند أبي داود والنسائي قال‏:‏ ‏(‏اعتكف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال‏:‏ ألا أن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة‏)‏‏.‏

وعن ابن عمر عند أحمد والبزار والطبراني بنحو حديث أبي سعيد‏.‏

وعن البياضي واسمه فروة بن عمر، وعند أحمد قال العراقي‏:‏ بإسناد صحيح‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال‏:‏ إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر بما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن‏)‏‏.‏

وعن عقبة بن عامر عند أبي داود والترمذي والنسائي قالا‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة‏)‏‏.‏

وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير بنحو حديث عقبة وفي إسناده إسحاق بن مالك الحضرمي ضعفه الأزدي ورواه الطبراني من وجه آخر وفيه بسر بن نمير وهو ضعيف جدًا‏.‏

ـ وفي الباب ـ أحاديث كثيرة وفيها أن الجهر والإسرار جائزان في قراءة صلاة الليل وأكثر الأحاديث المذكورة تدل على أن المستحب في القراءة في صلاة الليل التوسط بين الجهر والإسرار وحديث عقبة وما في معناه يدل على أن السر أفضل لما علم من أن إخفاء الصدقة أفضل من إظهارها‏.‏

5 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

6 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

الحديثان يدلان على مشروعية افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لينشط بهما لما بعدهما وقد تقدم الجمع بين روايات عائشة المختلفة في حكايتها لصلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنها ثلاث عشرة تارة وأنها إحدى عشرة تارة أخرى بأنها ضمت هاتين الركعتين فقالت ثلاث عشرة ولم تضمهما فقالت إحدى عشرة ولا منافاة بين هذين الحديثين وبين قولها في صفة صلاته صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صلى أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن‏)‏ لأن المراد صلى أربعًا بعد هاتين الركعتين‏.‏ وقد استدل المصنف بذلك على ترك نقض الوتر فقال‏:‏ وعمومه حجة في ترك نقض الوتر انتهى‏.‏ وقد قدمنا الكلام على هذا‏.‏

 باب صلاة الضحى

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏أوصاني خليلي صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث بصيام ثلاثة أيام في كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ لأحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏وركعتي الضحى كل يوم‏)‏‏.‏

في الباب أحاديث منها ما سيذكره المصنف في هذا الباب‏.‏ ومنها غير ما ذكره عن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى اللَّه له قصرًا في الجنة‏)‏‏.‏

وعن أبي الدرداء عند الترمذي وحسنه مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف وعنه حديث آخر عند مسلم بنحو حديث أبي هريرة المذكور‏.‏

وعن أبي هريرة حديث آخر عند الترمذي وابن ماجه قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر‏)‏‏.‏

وعن أبي سعيد عند الترمذي وحسنه قال‏:‏ ‏(‏كان صلى اللَّه عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها‏)‏‏.‏

وعن عائشة غير الحديث الذي سيذكره المصنف عنها عند مسلم والنسائي والترمذي في الشمائل من رواية معاذة العدوية قالت‏:‏ ‏(‏قلت لعائشة أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي الضحى قالت نعم أربعًا ويزيد ما شاء اللَّه‏)‏‏.‏

وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن وثقه الجمهور وضعفه بعضهم وله حديث آخر عند الطبراني بنحو حديث عائشة الذي سيذكره المصنف وفي إسناده ميمون ابن زيد عن ليث بن أبي سليم وكلاهما متكلم فيه‏.‏

وعن عتبة بن عبد عند الطبراني عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم يثبت حتى يسبح سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تام له حجه وعمرته‏)‏ وفي إسناده الأحوص بن حكيم ضعفه الجمهور ووثقه العجلي‏.‏

وعن ابن أبي أوفى عند الطبراني في الكبير أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى يوم الفتح ركعتين‏.‏

وعن ابن عباس عند الطبراني في الأوسط بنحو حديث أبي ذر الذي سيذكره المصنف‏.‏

وعن جابر عند الطبراني في الأوسط أيضًا أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات‏.‏

وعن حذيفة عند ابن أبي شيبة في المصنف أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الضحى ثمان ركعات طول فيهن‏.‏

وعن عائذ بن عمرو عند أحمد والطبراني أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الضحى‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمر عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة من توضأ ثم خرج إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة‏)‏‏.‏

وعن أبي موسى عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى الضحى أربعًا وقبل الأولى أربعًا بني له بيت في الجنة‏)‏‏.‏

وعن عتبان بن مالك عند أحمد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الضحى في بيته‏)‏ وقصة عتبان في صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته في الصحيح لكن ليس فيها ذكر سبحة الضحى‏.‏

وعن عقبة بن عامر عند أحمد وأبي يعلى بنحو حديث نعيم بن همار‏.‏

وعن علي عليه السلام عند النسائي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي الضحى‏)‏ وإسناده قال العراقي‏:‏ جيد‏.‏

وعن معاذ بن أنس عند أبي داود أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرًا غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده ضعيف‏.‏

وعن النواس بن سمعان عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وعن أبي بكرة عند ابن عدي قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الضحى فجاء الحسن وهو غلام فلما سجد ركب ظهره‏)‏ وفي إسناده عمرو بن عبيد وهو متروك‏.‏

وعن أبي مرة الطائفي عند أحمد مثل حديث نعيم بن همار‏.‏

وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى بمكة ثمان ركعات يطيل القراءة فيها والركوع‏)‏ قال السيوطي‏:‏ وسنده ضعيف وعن قدامة وحنظلة الثقفيين عند ابن منده وابن شاهين قالا‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا ارتفع النهار وذهب كل أحد وانقلب الناس خرج إلى المسجد فركع ركعتين أو أربعًا ثم ينصرف‏)‏‏.‏

وعن رجل من الصحابة عند ابن عدي أنه‏:‏ ‏(‏رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الضحى‏)‏‏.‏

وعن ابن عباس حديث آخر عند بن أبي حاتم أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏أمرت بالضحى ولم تؤمروا بها‏)‏‏.‏

وعن الحسن بن علي عند البيهقي قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه يذكر اللَّه حتى تطلع الشمس ثم صلى من الضحى ركعتين حرمه اللَّه على النار أن تلحقه أو تطعمه‏)‏‏.‏

وعن عبد اللَّه ابن جراد بن أبي جراد عند الديلمي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏المنافق لا يصلي الضحى ولا يقرأ قل يا أيها الكافرون‏)‏‏.‏

وعن عمر بن الخطاب عند حميد بن زنجويه بنحو حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص المتقدم وله حديث آخر عند ابن أبي شيبة‏.‏

وعن أبي هريرة حديث آخر عند أبي يعلى بسند رجاله ثقات بنحو حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص السابق‏.‏

وهذه الأحاديث المذكورة تدل على استحباب صلاة الضحى وقد ذهب إلى ذلك طائفة من العلماء منهم الشافعية والحنفية ومن أهل البيت علي بن الحسين وإدريس بن عبد اللَّه‏.‏

ـ وقد جمع ابن القيم ـ في الهدي الأقوال فبلغت ستة‏:‏

الأول‏:‏ منها أنها سنة واستدلوا بهذه الأحاديث التي قدمناها‏.‏

الثاني‏:‏ لا تشرع إلا لسبب واحتجوا بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يفعلها إلا لسبب فاتفق وقوعه وقت الضحى وتعددت الأسباب فحديث أم هانئ في صلاته يوم الفتح كان لسبب الفتح وأن سنة الفتح أن يصلي عنده ثمان ركعات قال‏:‏ وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح وصلاته عند القدوم من مغيبه كما في حديث عائشة كانت لسبب القدوم فإنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين وصلاته في بيت عتبان بن مالك كانت لسبب وهو تعليم عتبان إلى أين يصلي في بيته النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما سأل ذلك‏.‏

وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فلا تدل على أنها سنة راتبة لكل أحد ولهذا خص بذلك أبا هريرة وأبا ذر ولم يوص بذلك أكابر الصحابة‏.‏

والقول الثالث‏:‏ أنها لا تستحب أصلًا‏.‏

والقول الرابع‏:‏ يستحب فعلها تارة وتركها أخرى‏.‏

والقول الخامس‏:‏ تستحب صلاتها والمحافظة عليها في البيوت‏.‏

والقول السادس‏:‏ أنها بدعة‏.‏ روي ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب الهادي عليه السلام والقاسم وأبو طالب ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة بإثباتها قد بلغت مبلغًا لا يقصر البعض منه عن اقتضاء الاستحباب‏.‏

وقد جمع الحاكم الأحاديث في إثباتها في جزء مفرد عن نحو عشرين نفسًا من الصحابة وكذلك السيوطي صنف جزءًا في الأحاديث الواردة في إثباتها وروى فيه عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونها منهم أبو سعيد الخدري وقد روى ذلك عنه سعيد بن منصور وأحمد بن حنبل وعائشة‏.‏ وقد روى ذلك عنها سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر وقد روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد اللَّه بن غالب وقد روى ذلك عنه أبو نعيم وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلونها فقال‏:‏ نعم كان منهم من يصلي ركعتين ومنهم من يصلي أربعًا ومنهم من يمد إلى نصف النهار‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور أيضًا في سننه عن ابن عباس أنه قال‏:‏ طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها ههنا ‏{‏يسبحن بالعشي والإشراق‏}‏‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في الإيمان من وجه آخر عن ابن عباس أنه قال‏:‏ إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غواص في قوله تعالى ‏{‏في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال‏}‏ وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عون العقيلي في قوله تعالى ‏{‏أنه كان للأوابين غفورًا‏}‏ قال‏:‏ الذين يصلون صلاة الضحى‏.‏

ـ وأما احتجاج ـ القائلين بأنها لا تشرع إلا لسبب بما سلف فالأحاديث التي ذكرها المصنف وذكرناها في هذا الباب ترده وكذلك ترد اعتذار من اعتذر عن أحاديث الوصية والترغيب بما تقدم من الاختصاص وترد أيضًا قول ابن القيم أن عامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال وبعضها منقطع وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به فإن فيها الصحيح والحسن وما يقاربه كما عرفت‏.‏

قوله في حديث الباب‏:‏ ‏(‏وركعتي الضحى‏)‏ قد اختلفت أقواله صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأفعاله في مقدار صلاة الضحى فأكثر ما ثبت من فعله ثمان ركعات وأكثر ما ثبت من قوله اثنتا عشرة ركعة‏.‏ وقد أخرج الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من صلى الضحى لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعًا كتب من القانتين ومن صلى ستًا كفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيًا كتب من العابدين ومن صلى اثنتي عشرة بنى اللَّه له بيتًا في الجنة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده ضعف وله شاهد من حديث أبي ذر رواه البزار وفي إسناده ضعف أيضًا‏.‏ وحديث أنس المتقدم فيه التصريح بأن الضحى اثنتا عشرة ركعة وقد ضعفه النووي قال الحافظ‏:‏ لكن إذا ضم حديث أبي ذر وأبي الدرداء إلى حديث أنس قوي وصلح للاحتجاج وقال أيضًا‏:‏ إن حديث أنس ليس في إسناده من أطلق عليه الضعف وبه يندفع تضعيف النووي له ولكنه تابعه الحافظ في التلخيص‏.‏

وقد ذهب قوم منهم أبو جعفر الطبري وبه جزم الحليمي والروياني من الشافعية إلى أنه لا حد لأكثرها‏.‏ قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة وكذا قال السيوطي‏.‏ وقد اختلف في الأفضل فقيل ثمان وقيل أربع‏.‏

2 - وعن أبي ذر قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

3 - وعن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال‏:‏ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏(‏في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة قالوا‏:‏ فمن الذي يطيق ذلك يا رسول اللَّه قال‏:‏ النخاعة في المسجد يدفنها أو الشيء ينحيه عن الطريق فإن لم يقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا النسائي والحديث الثاني أخرجه أبو داود عن أحمد بن محمد المروزي وهو ثقة عن علي بن الحسين بن واقد وهو من رجال مسلم عن أبيه وهو أيضًا من رجال مسلم عن عبد اللَّه بن بريدة فذكره‏.‏ وقد أخرجه أيضًا حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال ولم يعزه السيوطي في جزء الضحى إلا إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سلامى‏)‏ قال النووي‏:‏ بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في عظام البدن ومفاصله ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم‏:‏ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة‏)‏ وفي القاموس أنها عظام صغار طول إصبع وأقل في اليد والرجل انتهى‏.‏ وقيل كل عظم مجوف من صغار العظام‏.‏ وقيل ما بين كل مفصلين من عظام الأنامل وقيل العروق التي في الأصابع وهي ثلاثمائة وستون أو أكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويجزئ من ذلك ركعتان‏)‏ الخ قال النووي‏:‏ ضبطنا يجزي بفتح أوله وضمه فالضم من الإجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى‏.‏

والحديثان يدلان على عظم فضل الضحى وأكبر موقعها وتأكد مشروعيتها وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة‏.‏ ويدلان أيضًا على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفن النخامة وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق وسائر أنواع الطاعات ليسقط بفعل ذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم‏.‏

4 - وعن نعيم بن همار‏:‏ عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال ربكم عز وجل يا ابن آدم صلِ لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وهو للترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء‏.‏

الحديث في إسناده اختلاف كثير قال المنذري‏:‏ وقد جمعت طرقه في جزء مفرد‏.‏ وقد اختلف أيضًا في اسم همار المذكور فقيل هبار بالباء الموحدة‏.‏ وقيل هدار بالدال المهملة‏.‏ وقيل همام بالميمين وقيل خمار بالخاء المفتوحة المعجمة وقيل حمار بالحاء المهملة المكسورة والراء مهملة في همار وهبار وخمار وحمار وهدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو للترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء‏)‏ هكذا في النسخ الصحيحة بدون إثبات الألف التي للتخيير بين أبي ذر وأبي الدرداء والصواب إثباتها لأن الترمذي إنما روى حديثًا واحدًا وتردد هل هو من رواية أبي ذر أو من رواية أبي الدرداء ولم يرو لكل منهما حديثًا ولا روى الحديث عنهما جميعًا ولفظ الحديث في الترمذي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن اللَّه تبارك وتعالى ‏{‏إن اللَّه تعالى قال‏:‏ ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره‏)‏ قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن غريب انتهى‏.‏

وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد صحح جماعة من الأئمة حديثه إذا كان عن الشاميين وهو هنا كذلك لأن بحير بن سعيد شامي وإسماعيل رواه عنه وهذا الحديث قد روي عن جماعة من الصحابة قد قدمنا الإشارة إليهم في أول الباب‏.‏

واستدل على مشروعية صلاة الضحى لكنه لا يتم إلا على تسليم أنه أريد بالأربع المذكورة صلاة الضحى‏.‏

وقد قيل يحتمل أن يراد بها فرض الصبح وركعتا الفجر لأنها هي التي في أول النهار حقيقة ويكون معناه كقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من صلى الصبح فهو في ذمة اللَّه‏)‏ قال العراقي‏:‏ وهذا ينبني على أن النهار هل هو من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس والمشهور الذي يدل عليه كلام جمهور أهل اللغة وعلماء الشريعة أنه من طلوع الفجر وقال‏:‏ على تقدير أن يكون النهار من طلوع الفجر فلا مانع من أن يراد بهذه الأربع الركعات بعد طلوع الشمس لأن ذلك الوقت ما خرج عن كونه أول النهار وهذا هو الظاهر من الحديث وعمل الناس فيكون المراد بهذه الأربع ركعات صلاة الضحى انتهى‏.‏

وقد اختلف في وقت دخول الضحى فروى النووي في الروضة عن أصحاب الشافعي أن وقت الضحى يدخل بطلوع الشمس ولكن يستحب تأخيرها إلى ارتفاع الشمس‏.‏ وذهب البعض منهم إلى أن وقتها يدخل من الارتفاع وبه جزم الرافعي وابن الرفعة وسيأتي ما يبين وقتها في حديث زيد بن أرقم وحديث علي عليه السلام‏.‏

5 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء اللَّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

الحديث يدل على مشروعية صلاة الضحى وقد اختلفت الأحاديث عن عائشة فروي عنها أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاها من غير تقييد كما في حديث الباب‏.‏ وروي عنها أنها سئلت هل كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الضحى قالت‏:‏ لا إلا أن يجيء من مغيبه أخرجه مسلم‏.‏ وروي عنها أنها قالت‏:‏ ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبحها‏.‏ متفق عليه‏.‏

وقد جمع بين هذه الروايات بأن قولها كان يصلي الضحى أربعًا لا يدل على المداومة بل على مجرد الوقوع على ما صرح به أهل التحقيق من أن ذلك مدلول كان كما تقدم وإن خالف في ذلك بعض أهل الأصول ولا يستلزم هذا الإثبات أنها رأته يصلي لجواز أن تكون روت ذلك من طريق غيرها‏.‏

وقولها إلا أن يجيء من مغيبه يفيد تقييد ذلك المطلق بوقت المجيء من السفر‏.‏ وقولها ما رأيته يصلي سبحة الضحى نفي للرؤية ولا يستلزم أن لا يثبت لها ذلك بالرواية أو نفي لما عدا الفعل المقيد بوقت القدوم من السفر وغاية الأمر أنها أخبرت عما بلغ إليه علمها وغيرها من أكابر الصحابة أخبر بما يدل على المداومة وتأكد المشروعية ومن علم حجة على من لا يعلم لا سيما وذلك الوقت الذي تفعل فيه ليس من الأوقات التي تعتاد فيها الخلوة بالنساء وقد تقدم تحقيق ما هو الحق‏.‏

6 - وعن أم هانئ‏:‏ ‏(‏أنه لما كان عام الفتح أتت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو بأعلى مكة فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولأبي داود عنها‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم بين كل ركعتين‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏وهو بأعلى مكة‏)‏ في رواية للبخاري ومسلم أنها قالت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثمان ركعات‏)‏ ويجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه ويؤيده ما رواه ابن خزيمة عنها أن أبا ذر ستره لما اغتسل ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة وكانت في بيت آخر بمكة فجاءت إليه فوجدته يغتسل فيصح القولان ذكر معنى ذلك الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسترت عليه فاطمة‏)‏ فيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارم الرجل إذا كان مستور العورة عنها وجواز تستيرها إياه بثوب أو نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثماني ركعات‏)‏ زاد ابن خزيمة من طريق كريب عن أم هانئ ‏(‏يسلم من كل ركعتين‏)‏ وزادها أيضًا أبو داود كما ذكر المصنف وفي ذلك رد على من قال إن صلاة الضحى موصولة سواء كانت ثمان ركعات أو أقل أو أكثر‏.‏

والحديث يدل على استحباب صلاة الضحى وقد تقدم قول من قال إن هذه صلاة الفتح لا صلاة الضحى وتقدم الجواب عليه‏.‏

7 - وعن زيد بن أرقم قال‏:‏ ‏(‏خرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال‏:‏ صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي ولفظ مسلم‏:‏ إن زيد بن أرقم رأى قومًا يصلون من الضحى فقال‏:‏ أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏صلاة الأوابين حين ترمض الفصال‏)‏ وفي رواية له‏:‏ ‏(‏خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلون فقال‏:‏ ‏(‏صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال‏)‏‏.‏ زاد ابن أبي شيبة في المصنف‏:‏ ‏(‏وهم يصلون الضحى فقال‏:‏ صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى‏)‏‏.‏ وفي رواية لابن مردويه في تفسيره‏:‏ ‏(‏وهم يصلون بعد ما ارتفعت الشمس‏)‏‏.‏ وفي رواية له أنه وجدهم قد بكروا بصلاة الظهر فقال ذلك‏.‏ وفي رواية للطبراني أنه مر بهم وهم يصلون الضحى حين أشرقت الشمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأوابين‏)‏ جمع أواب وهو الراجع إلى اللَّه تعالى من آب إذا رجع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رمضت‏)‏ بفتح الراء وكسر الميم وفتح الضاد المعجمة أي احترقت من حر الرمضاء وهي شدة الحر‏.‏ والمراد إذا وجد الفصيل حر الشمس ولا يكون ذلك إلا عند ارتفاعها‏.‏

والحديث يدل على أن المستحب فعل الضحى في ذلك الوقت‏.‏ وقد توهم أن قول زيد بن أرقم أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل كما في رواية مسلم يدل على نفي الضحى وليس الأمر كذلك بل مراده أن تأخير الضحى إلى ذلك الوقت أفضل‏.‏

8 - وعن عاصم بن ضمرة قال‏:‏ ‏(‏سألنا عليًا عن تطوع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالنهار فقال‏:‏ كان إذا صلى الفجر أمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من المشرق مقدارها من صلاة العصر من ههنا قبل المغرب قام فصلى ركعتين ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة الظهر من ههنا يعني من قبل المغرب قام فصلى أربعًا وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس ركعتين بعدها وأربعًا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن يتبعهم من المسلمين والمؤمنين‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا أبا داود‏.‏

الحديث حسنه الترمذي وأسانيده ثقات وعاصم بن ضمرة فيه مقال ولكن قد وثقه ابن معين وعلي بن المديني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانت الشمس من ههنا‏)‏ يعني من المشرق مقدارها من صلاة العصر من ههنا قبل المغرب المراد من هذا أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى ركعتي الضحى ومقدار ارتفاع الشمس من جهة المشرق كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب عند صلاة العصر وفيه تبيين وقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا كانت الشمس‏)‏ إلى قوله ‏(‏قام فصلى أربعًا‏)‏ المراد إذا كان مقدار بعد الشمس من مشرقها كمقدار بعدها من مغربها عند صلاة الظهر قام فصلى ذلك المقدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا زالت الشمس‏)‏ هذا تبيين لما قبله ‏(‏وفيه دليل‏)‏ على استحباب أربع ركعات إذا زالت الشمس‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها‏.‏ وممن نص على استحباب صلاة الزوال الغزالي في الإحياء في كتاب الأوراد‏.‏

ويدل على ذلك ما رواه أبو الوليد بن مغيث الصفار عن عبد الملك بن حبيب قال‏:‏ بلغني عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ما من عبد مسلم يصلي أربع ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر يحسن فيها الركوع والسجود والخشوع يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب‏)‏ وذكر حديثًا طويلًا‏.‏ ورواه الطبراني موقوفًا على ابن مسعود‏.‏

وما أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا استوى النهار خرج إلى بعض حيطان المدينة‏)‏ وفيه‏:‏ ‏(‏قام فصلى أربع ركعات لم يتشهد بينهن ويسلم في آخر الأربع‏)‏‏.‏

وقد بوب الترمذي للصلاة عند الزوال وذكر حديث عبد اللَّه بن السائب‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي أربعًا حين تزول الشمس‏)‏‏.‏

وأشار إلى حديث علي هذا وإلى حديث أبي أيوب وهو عند ابن ماجه وأبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وركعتين بعدها وأربعًا قبل العصر‏)‏ الخ قد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

 باب تحية المسجد

1 - عن أبي قتادة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين‏)‏‏.‏

رواه الجماعة والأثرم في سننه‏.‏ ولفظه‏:‏ ‏(‏أعطوا المساجد حقها قالوا‏:‏ وما حقها قال‏:‏ أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا‏)‏‏.‏

حديث أبي قتادة أورده البخاري بلفظ النهي كما ذكره المصنف وبلفظ الأمر فروي من طريق عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس‏)‏‏.‏

وأخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد اللَّه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر سليكًا الغطفاني لما أتى يوم الجمعة والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فقعد قبل أن يصلي الركعتين أن يصليهما‏)‏‏.‏

وأخرج مسلم عن جابر أيضًا‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما أتى المسجد لثمن جمله الذي اشتراه منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يصلي الركعتين‏)‏ والأمر يفيد بحقيقته وجوب فعل التحية والنهي يفيد بحقيقته أيضًا تحريم تركها وقد ذهب إلى القول بالوجوب الظاهرية كما حكى ذلك عنهم ابن بطال‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ والذي صرح به ابن حزم عدمه‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنها سنة وقال النووي‏:‏ إنه إجماع المسلمين قال‏:‏ وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبها‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب قال‏:‏ ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم للذي رآه يتخطى‏:‏ ‏(‏اجلس فقد آذيت‏)‏ ولم يأمره بصلاة كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر انتهى‏.‏

ـ ومن جملة ـ أدلة الجمهور على عدم الوجوب ما أخرجه ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال‏:‏ كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون‏.‏

ـ ومن أدلتهم ـ أيضًا حديث ضمام بن ثعلبة عند البخاري ومسلم والموطأ وأبي داود والنسائي لما سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عما فرض اللَّه عليه من الصلاة فقال‏:‏ ‏(‏الصلوات الخمس فقال‏:‏ هل علي غيرها قال‏:‏ لا إلا أن تطوع‏)‏ وفي رواية للبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود قال‏:‏ ‏(‏الصلوات الخمس إلا أن تطوع‏)‏‏.‏

ويجاب على عدم أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم للذي رآه يتخطى بالتحية بأنه لا مانع له أن يكون قد فعلها في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه أو أنه كان ذلك قبل الأمر بها والنهي عن تركها ولعل هذا وجه النظر الذي ذكره الحافظ ويجاب عن الاستدلال بأن الصحابة كانوا يدخلون ويخرجون ولا يصلون بأن التحية إنما تشرع لمن أراد الجلوس لما تقدم وليس في الرواية أن الصحابة كانوا يدخلون ويجلسون ويخرجون بغير صلاة تحية وليس فيها إلا مجرد الدخول والخروج فلا يتم الاستدلال إلا بعد تبيين أنهم كانوا يجلسون على أنه لا حجة في أفعالهم أما عند من لا يقول بحجية الإجماع فظاهر‏.‏

وأما عند القائل بذلك فلا يكون حجة إلا فعل جميعهم بعد عصره صلى اللَّه عليه وسلم لا في حياته كما تقرر في الأصول وتلك الرواية محتملة وأيضًا يمكن أن يكون صدور ذلك منهم قبل شرعيتها ويجاب عن حديث ضمام بن ثعلبة أولًا بأن التعاليم الواقعة في مبادئ الشريعة لا تصلح لصرف وجوب ما تجدد من الأوامر وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين واللازم باطل فكذا الملزوم‏.‏

أما الملازمة فلأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم اقتصر في تعليم ضمام بن ثعلبة في هذا الحديث السابق نفسه على الخمس المذكورة كما في الأمهات وفي بعضها على أربع ثم لما سمعه يقول بعد أن ذكر به ذلك‏:‏ ‏(‏واللَّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه قال‏:‏ أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق‏)‏ وتعليق الفلاح ودخول الجنة بصدقه في ذلك القسم الذي صرح فيه بترك الزيادة على الأمور المذكورة مشعر بأن لا واجب عليه سواها إذ لو فرض بأن عليه شيئًا من الواجبات غيرها لما قرره الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك ومدحه به وأثبت له الفلاح ودخول الجنة فلو صلح قوله ‏(‏لا إلا أن تطوع‏)‏ لصرف الأوامر الواردة بغير الخمس الصلوات لصلح قوله ‏(‏أفلح إن صدق‏)‏ و ‏(‏دخل الجنة إن صدق‏)‏ لصرف الأدلة القاضية بوجوب ما عدا الأمور المذكورة‏.‏

ـ وأما بطلان اللازم ـ فقد ثبت بالأدلة المتواترة وإجماع الأمة أن واجبات الشريعة قد بلغت أضعاف أضعاف تلك الأمور فكان اللازم باطلًا بالضرورة الدينية وإجماع الأمة ويجاب ثانيًا بأن قوله إلا أن تطوع ينفي وجوب الواجبات ابتداء لا الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها كدخول المسجد مثلًا لأن الداخل ألزم نفسه الصلاة بالدخول فكأنه أوجبها على نفسه فلا يصح شمول ذلك الصارف لمثلها‏.‏

ويجاب ثالثًا بأن جماعة من المتمسكين بحديث ضمام بن ثعلبة في صرف الأمر بتحية المسجد إلى الندب قد قالوا بوجوب صلوات خارجة عن الخمس كالجنازة وركعتي الطواف والعيدين والجمعة فما هو جوابهم في إيجاب هذه الصلوات فهو جواب الموجبين لتحية المسجد ـ لا يقال ـ الجمعة داخلة في الخمس لأنها بدل عن الظهر لأنا نقول لو كانت كذلك لم يقع النزاع في وجوبها على الأعيان ولا احتيج إلى الاستدلال لذلك إذا عرفت هذا لاح لك أن الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب‏.‏

والحديث يدل على مشروعية التحية في جميع الأوقات وإلى ذلك ذهب جماعة من العلماء منهم الشافعية وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي وأجاب الأولون بأن النهي إنما هو عما لا سبب له واستدلوا بأنه صلى اللَّه عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتي الظهر وصلى ذات السبب ولم يترك التحية في حال من الأحوال بل أمر الذي دخل المسجد وهو يخطب فجلس قبل أن يركع أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية ولأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قطع خطبته وأمره أن يصلي التحية فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم هذا الاهتمام ذكر معنى ذلك النووي في شرح مسلم‏.‏

والتحقيق أنه قد تعارض في المقام عمومات النهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة من غير تفصيل والأمر للداخل بصلاة التحية من غير تفصيل فتخصيص أحد العمومين بالآخر تحكم وكذلك ترجيح أحدهما على الآخر مع كون كل واحد منهما في الصحيحين بطرق متعددة ومع اشتمال كل واحد منهما على النهي أو النفي الذي في معناه ولكنه إذا ورد ما يقضي بتخصيص أحد العمومين عمل عليه وصلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم سنة الظهر بعد العصر مختص به لما ثبت عند أحمد وغيره ممن قدمنا ذكرهم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما قالت له أم سلمة‏:‏ ‏(‏أفنقضيهما إذا فاتتا قال‏:‏ لا‏)‏ ولو سلم عدم الاختصاص لما كان في ذلك إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز جميع ذوات الأسباب نعم حديث يزيد بن الأسود الذي سيأتي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال للرجلين‏:‏ ما منعكما أن تصليا معنا فقالا‏:‏ قد صلينا في رحالنا فقال‏:‏ إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة‏)‏ وكانت تلك الصلاة صلاة الصبح كما سيأتي يصلح لأن يكون من جملة المخصصات لعموم الأحاديث القاضية بالكراهة وكذلك ركعتا الطواف وسيأتي تحقيق هذا في باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها وباب الرخصة في إعادة الجماعة وركعتي الطواف‏.‏

وبهذا التقرير يعلم أن فعل تحية المسجد في الأوقات المكروهة وتركها لا يخلو عند القائل بوجوبها من إشكال والمقام عندي من المضايق والأولى للمتورع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة‏.‏

قوله في حديث الباب‏:‏ ‏(‏فلا يجلس‏)‏ قال الحافظ‏:‏ صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك قال‏:‏ وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أركعت ركعتين قال‏:‏ لا قال‏:‏ قم فاركعهما‏)‏ ومثله قصة سليك المتقدم ذكرها وسيأتي ذكرها في أبواب الجمعة‏.‏

وقال الطبري‏:‏ يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل وظاهر التعليق بالجلوس أنه ينتفي النهي بانتفائه فلا يلزم التحية من دخل المسجد ولم يجلس ذكر معنى ذلك ابن دقيق العيد وتعقب بأن الجلوس نفسه ليس هو المقصود بالتعليق عليه بل المقصود الحصول في بقعته واستدل على ذلك بما عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته إن شاء‏)‏ والظاهر ما ذكره ابن دقيق العيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يصلي ركعتين‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق واختلف في أقله والصحيح اعتباره فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين انتهى‏.‏

وظاهر الحديث أن التحية مشروعة وإن تكرر الدخول إلى المسجد ولا وجه لما قاله البعض من عدم التكرر قياسًا على المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عليهم‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ ذكر ابن القيم أن تحية المسجد الحرام الطواف لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بدأ فيه بالطواف وتعقب بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يجلس إذ التحية إنما تشرع لمن جلس كما تقدم والداخل إلى المسجد الحرام يبدأ بالطواف ثم يصلي صلاة المقام فلا يجلس إلا وقد صلى فأما لو دخل المسجد الحرام وأراد القعود قبل الطواف فإنه يشرع له أن يصلي التحية‏.‏

ومن جملة ما استثني من عموم التحية دخول المسجد لصلاة العيد لأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها وتعقب بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يجلس حتى يتحقق في حقه ترك التحية‏.‏ وأيضًا الجبانة ليست بمسجد فلا تحية لها فلا يلحق بذلك من دخل لصلاة العيد في مسجد وأراد الجلوس قبل الصلاة ولكنه سيأتي في أبواب صلاة العيد حديث مرفوع يدل على منع التحية قبل صلاة العيد وبعدها‏.‏

ومن جملة ما استثني من عموم التحية من دخل المسجد وقد أقيمت الفريضة فإنها لا تشرع لحديث أبي هريرة عند مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة‏)‏‏.‏